مع الأسف الشديد يوجد دائمًا في مكانٍ ما يحتويه من ضيق أفق ووعي يتجلى أمام أعيننا عندما نرى ممارسات الطب الشعبي التي تكون خارج أُطر العلم والمعرفة، ومخالفة للاشتراطات واللوائح الرقابية في المجال الطبي والوقائي.
وهو ما بات يتطلب توعية مكثفة للمُستهلك والتاجر بمدى أهمية عدم التداوي بالنباتات العشبية بدون خلفية علمية ومعرفية لما تفرضه الأعشاب من خطورةٍ على الفرد إذا لم يدري كيف يستخدمها، ونضيف لذلك عدم استخدام أي نباتات أو خلطات عشبية مجهولة أو تحتوي على مكونات محظورة لتجنب الأخطار، فكل هذا يعتبر من نباتات عشبية قاتلة.
نضيف أن الأعشاب ذات المفعول الدوائي تحتوي على نسب متفاوتة من السموم، والكثير من هذه السموم تظهر بعد سنة أو سنتين من تاريخ تناولها.
اقرأ ايضًا: الطب النووي ومجالاته
ما هي أخطر الأعشاب والنباتات السامة في المملكة؟ وأين تتواجد؟ وكيف نميزها؟
في الحقيقة يوجد الكثير من نباتات عشبية قاتلة سامة المنتشرة في أرجاء المملكة السعودية، والسيء في الأمر أن أزهارها أو ثمارها غالبًا ما تتميز بألوان زاهية؛ ولذلك فعادة ما تكون مغرية للأطفال لاقتطافها وتناولها.
ويوجد أكثر من 80 نبتة أو عشبة سامة في أرجاء المملكة العربية، ومن بين هذه الأعشاب ما يباع لدى العطارين والمفترض ألا تُباع.
وتم توثيق الكثير من حالات تسمم من نباتات عشبية قاتلة والتي كانت ترد إلى المستشفيات المختلفة في أرجاء المملكة، ولعدم امتلاك الأطباء تفاصيل دقيقة حول النباتات والسموم فعجزوا عن معرفة أسباب العلل أو طرق المداواة، وعليه فيتم إرسال عينات من هذه النباتات التي تسمم بها الشخص لفحصها، وبالتالي تحديد اسمها وتفاصيلها والمواد العلاجية التي يجب استخدامها للتداوي.
ونذكر أن المختصون بفحص الأعشاب وتمييزها هو “قسم العقاقير” وهو الجهة التي تعود إليه وزارة الصحة والمستشفيات كمرجع أساسي عندما تأتيها حالات تسمم متعلقة بتعاطي الاعشاب أو النباتات السامة؛ ليقوم القسم بتزويدهم بكامل المعلومات التي يحتاجونها في سبيل التخلص منه.
إذا كانت هذه الأعشاب و النباتات تُباع في العطارة فما هي الأكثر خطورة على حياتنا؟
من المعروف أنه ليست جميع الأعشاب الطبية متساوية في كم السموم التي تحملها، بل تتفاوت كمًا وتختلف نوعًا، وهو ما يتوجب معه وجود متخصص في مجال التداوي بالأعشاب أو علم العقاقير يرشد المريض ليتناول جرعات محددة ومدروسة ولا تضر بصحته فتقوم بوظيفتها في علاجه.
أما في حال تناول هذه الأعشاب بدون إرشاد من المختصين، فهو إلقاء بيده للتهلكة، ولا مبالغة عندما نقول أن من بين هذه الأعشاب ما يسبب الوفاة في حال تناول جرعات عشوائية، ورغم أنها قاتلة إلا أنها أيضًا دوائية علاجية، والخطرُ كل الخطرِ أن تُقدم هذه الأعشاب دون دراية كافية ومعرفة بالكمية والكيفية التي تعطى بها هذه الأعشاب بِغية التداوي.
ومن أبرز وأخطر هذه الأعشاب على الإطلاق والتي وُجدت تباع لدى العطارين “المنفلة” و”حبة الملوك” و”بذور الخروع”، و”عين الديك”، والجدير بالذكر أن بعض هذه الأعشاب السامة مدرجة ضمن القائمة التي تعدها هيئة الغذاء والدواء عن “الأعشاب المحظور بيعها”، ومع ذلك يمكنك أن تجدها تباع بشكل غير نظامي في بعض محلات العطارة أو من قبل المعالجين الشعبيين.
إن كانت حبة الملوك وبذور الخروع تباع في الكثير من محلات العطارة دون تحفظ رغم سميتها الشديدة فما هي الغاية منها؟
هي توصف عادة كمسهلات قوية وغالبًا ما تُعطى بجرعة لا تزيد عن حبة واحدة لهذا الغرض، ويجب ألا تكون في متناول الأطفال حتى لا يتناولوا منها، فإن تناول 3 حبات منها كفيل بأن يؤدي الى الموت.
وبالنسبة لبذور الخروع ففي حال تنزه الأطفال بالقرب من أشجارها التي تتساقط منها البذور على الأرض وتكون مغرية لتناولها لأنها تشبه الفستق في شكلها وطعمها، كفيل عدد قليل من هذه البذور بالقتل أيضًا، وتم توثيق حالة من هذا النوع لطفل في التاسعة من عمره في مدينة الخرج، قد توفي بسبب تناول حبوب الخروع داخل إحدى المزارع وتنتشر هذه الأشجار في منطقة الخرج وفي جميع أنحاء المملكة، وتنمو بشكل عفوي وبالزراعة أيضًا، وتحتوي بذورها على سم الريسين وتعد من أشد السموم فتكًا.
أشارت بعض المقاطع المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي سابقًا إلى وجود نباتات سامة في بعض المنتزهات العامة، ما مدى صحة ذلك؟
قبل عدة سنوات شاهد شخص بإحدى المنتزهات العامة بمدينة الدمام شجرة جميلة لها ثمار تشبه ثمار التفاح، فتناولها ظانًا أنه تناول نوعًا من أنواع التفاح، وبعد فترة وجيزة أغمي عليه وتم نقله الى مستشفى الملك خالد، وللأسف لم تكن المستشفى على كفاية من المعلومات حول نوع هذه الشجرة وما اذا كانت سامة أم غير سامة، وتوفي الرجل في اليوم نفسه.
وبعد تداول هذه الحادثة في وسائل الإعلام، أطلقت بعض الصحف على هذه الشجرة مسمى “شجرة الموت”. اسم هذا النبات هو “الدفلة الحمراء” وهو أحد أشجار الزينة المستوردة من الخارج، وكانت تزرع في الحدائق والشوارع العامة والمنازل بغرض الزينة بالرغم من أنها خطيرة جدًا وقاتلة.
وهناك المزيد من حوادث الوفاة بسبب أنواع مختلفة من نبات الدفلة الحمراء والبيضاء، ومنها أيضًا حادثة أخرى حدثت لطفل في مدينة الخرج قد تناول أزهارًا من الدفلة الحمراء، وتوفي اثر تناوله اياها، وبعدها تواصلت المستشفى بقسم العقاقير وزودوها بعينة مما تناوله الطفل، وبعد تحليلها تم تحديد العلاج المناسب.
إحدى حالات التسمم القاتلة بسبب وصفات عشبية من قبل العطارين أو عن طريق معالج شعبي
قبل سنوات ذهبت امرأة الى مستشفى الملك فهد بالرياض تشكو من الآم في المعدة ومشاكل في الهضم وقد كتب لها الطبيب المشرف الأدوية المناسبة، ولكن بدلًا من استخدام هذه الأدوية أقنعتها احدى صديقاتها أن تذهب الى معالج شعبي، ووصف لها المُعالج عشبة نباتية، وبعد يومين من تناولها للعشبة ظهرت عليها أعراض اصفرار في العينين والوجه وإحمرار الكفين و تلون البول بلون بني غامق، وكان من المحزن أن هذه أعراض إصابة في الكبد، فاضطرت بعد ذلك للذهاب مجددًا الى المستشفى، وهناك طلبوا من المريضة أن تعطيهم عينة مما تناولته من عشب، وتم ارسال العشب الى الجهة المختصة بفحص الأعشاب، وبعد ذلك تبين أن هذا العشب هو نبات الرمرام السام، والذي تبين أن تناوله يسبب تلف الكبد التام بعد 12 يومًا من تناوله، وهذا ما حدث، إذ ماتت المريضة فعلًا بعد 12 يومًا من تناول الرمرام.
وهذا مع الأسف من القصص التي تؤكد مدى خطورة المعالجون الشعبيون على المجتمع، وأنهم مع الأسف لا يعون مدى خطورة ما في حوزتهم من نباتات عشبية قاتلة، وما يهدفون إلا إلى تحقيق الكسب، ولا يُستحسن الكسب في مثل هذا.
نضيف أنه يجب ألا تتعاطى أي وصفة علاجية يصفها أحد أصدقائك حتى وان كانت مجربة، فقد يجربها أحدهم وتصلح لهم، ولا تصلح لآخرين.
كيف تنظم الأجهزة الرقابية مسألة بيع الأعشاب في الأسواق؟
قبل أكثر من 15 عامًا تشكلت لجنة ضخمة تكونت من “وزارة الصحة، والشؤون البلدية والقروية، وهيئة المواصفات والمقابيس، والهيئة الوطنية لحماية البيئة، وقسم العقاقير في جامعة الملك سعود، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، إضافة الى عدد من المستشفيات”، قامت هذه اللجنة بدراسة نظامية بيع وشراء الأدوية العشبية، وما هي الأدوية العشبية التي يمكن أن تباع في محلات العطارة، وما هي الأدوية العشبية التي يقتصر على بيعها الصيدليات.
وانتهت اللجنة إلى أنه يجب ألا تبيع محلات العطارة سوى أدوية عشبية مفردة ومدروسة، وبالنسبة للخلطات فيجب ألا يزيد عدد الأعشاب المخلوطة عن خمسة أعشاب آمنة، وأن يوضع الاسم العلمي لكل عشب من هذه الأعشاب، أما الأدوية العشبية التي تكون على هيئة عقاقير من كبسولات أو شراب، فيشترط ألا تباع إلا في الصيدليات، وقد أعتُمدت هذه التوصيات بالفعل وأصبحت ضمن لوائح واشتراطات هيئة الغذاء والدواء.
وهنا مقالة تتحدث عن عشب مفيدبذور الكتان 5 فوائد صحية..غنية بأوميجا 3 وتحافظ على صحة القلب
التنبيهات : الطب النووي ومجالاته - المحور اليوم